رسالة إلى مسعود “الحاج يونس” // انس عاكف الحمدالله

مدار نيوز \
كيف حالك يا مسعود؟ وكيف هي أحوال العائلة؟
هل عدت من الكويت؟ هل أنت في دبي اليوم أم في أوروبا؟
لا يهم يا مسعود لا يهم
فلم يتغير أي شيء، هنا وكل شيء بقي حاضراً كما كان
ولذلك أكتب رسالتي هذه لك لكي أقول لك أن أبا صالح عاد من الموت، ولا تتفاجأ بذلك فأنت من انقطعت أخبارك ولا تعرف ماذا يحصل هنا
أكتب لك لأضعك بصورة كل جديد، وأتمنى أن لا تكون رسالتي هذه قرعاً على تابوت لا توقظ من فيه
يا مسعود هذه بلاد الأسرار والجنون ولا تسري قواعد الحياة الطبيعية فيها، ومن العادي جداً أن يعود أبو صالح من موته مرة أخرى
فلا موت للشهداء هنا، إنهم يبقون بطريقة ما وتبقى أرواحهم مسلحة ومقاتلة
فهنا في هذه البلاد المجنونة تبقى الأسطورة حية وتمشي على قدمين وتحمل بارودة وتقاتل في نابلس وجنين
ولأن الجميع عاد يا مسعود قررت أن أكتب لك اليوم فما بين المسلسل والحقيقة ومن خارج السياق الدرامي إلى الأرض وكل ما جاء في التغريبة الفلسطينية عاد ليكون حقيقةً على الأرض
فأبو صالح عاد يا مسعود حقاً عاد
ويولد كل يوم من جديد، ومن أبو صالح الحاج يونس إلى صاحب الفكرة الأولى للعرين في نابلس أبو صالح العزيزي الشاب ذو الثلاثة وعشرين عاماً بقيت الحكاية كما هي ولم يتغير شيء فكل رمزية أبي صالح تجسدت فيه مرة أخرى
فأبو صالح يا مسعود وأنت أعلم الناس فيه ما هو إلا المقاتل الفلسطيني الذي يعاني ضعف الإمكانيات والتخاذل، ومع ذلك يُشكل فصيلاً ثورياً مقاتلاً
وبين أبي صالح الحاج يونس الذي قاتل الإنجليز وبين أبي صالح العزيزي الذي قاتل إسرائيل بنسختها النووية تبقى الحكاية واحدة
فلا تسأل نفسك كيف لشاب صغير العمر ضعيف البنية أن يُسجل اسمه في صفحات التاريخ هكذا؟
كيف لأبي صالح أن يواجه دولة نووية، يقف العالم والعربان خلفها…
وكيف ما زال أبا صالح مغامراً وجريئاً وشجاعاً بهذا الشكل منذ العام 1936 حتى اليوم
ولكننا نعرف يا مسعود نعرف حق المعرفة جرأة أبي صالح التي تعرفها كل فلسطين جيداً سواء كان حاج يونس أم عزيزياً
فما زال أبو صالح هو المقاتل الذي يأخذ زمام الأمور ويدفع الثمن وحده حاملاً البوصلة في زمن التيه
فيأتيك اليوم أبو صالح العزيزي من البلدة القديمة في نابلس ليحيي الأسطورة من جديد ويجعلها تمشي على قدمين وتحمل بارودة مرة أخرى
فما بين البارودة الإنجليزية والــ أم سكستين الأمريكية
خمسة وسبعين سنة من تخاذل العربان وتكالب العالم علينا
رحلت بريطانيا العظمى وانهار الاتحاد السوفيتي وسقطت دول وقامت دول وجاءت أمريكا وإسرائيل
وبقي أبو صالح كما هو واقفاً وراء عين الدربيل مصوباً البندقية نحو العالم كل العالم
كل شيء تغير يا مسعود لكنه بقي كما هو ولم يتغير
هل تذكر يا مسعود حين جئت لأبي صالح طالباً منه العودة للقرية لأن الإنجليز توقفوا عن ملاحقته فأجابك أبو صالح أنه هو لم يتوقف عن ملاحقة الإنجليز
وكذلك حصل حين حُوصرت نابلس وجاء مساعيد هذا العصر لشباب العرين وطلبوا منهم ترك السلاح مقابل وقف الملاحقة لأنهم محاصرين
فقالوا لهم لنرى من يُحاصر من ؟
وكان هذا الشعار ولم يستسلم أبو صالح ولم يستسلم الشباب أيضاً
هل هذا جنون يا مسعود ؟
فهذه إسرائيل التي تقف خلفها أمريكا، الترسانة النووية، القوة العسكرية، الهاي تيك في أقوى صوره، إسرائيل سلاح الجو الذي يخافه العربان
فكيف لمجموعة شباب في نابلس وجنين أن يقولوا أنهم من يحاصروها وليست هي من تحاصرهم
لكنها يا مسعود سمة الجنون لدى الفلسطيني، الجنون الذي أبقانا إلى اليوم صامدين في وجه كل مشاريع الذل والتسوية
فكيف تكون فلسطينياً إذا لم تكن سمتك الجنون ؟
وهل كنت لتبقى يا مسعود لولا جنون أبي صالح ؟
وعلى ذكر الجنون سأعود بك إلى ليلة تعرفها فلسطين جيداً وتعرفها نابلس حق المعرفة لكي تفهم سمة الجنون الفلسطيني فهذه ليلة لن تنساها إسرائيل بكل جبروتها أيضاً
ففي ليلة الرابع والعشرين من الشهر السابع في العام 2022م
اقتحمت قوات إسرائيل البلدة القديمة في نابلس ومؤخراً باتت إسرائيل بحاجة ثلاث حلقات من القوات لكي تستطيع اقتحام مدينة فلسطينية
الحلقة الأولى، وغالباً من القوات الخاصة تكون مهمتها تحقيق الهدف
والحلقة الثانية، هي مجموعة من الجنود وظيفتها الحماية والتأمين والإنقاذ
والحلقة الثالثة، قناصين يعتلون الأسطح والجبال بهدف تأمين الحلقتين الأولى والثانية
وفي تلك الليلة كان الهدف هو رأس الشهيد إبراهيم النابلسي وكانت مجموعة عرين الأسود في طور التأسيس وأنتبه صاحب الفكرة أبو صالح العزيزي مبكراً لخطب ما في المكان فطلب من الجميع الانسحاب وبقي هو برفقة عبود صبح ليكمن الاثنين للقوة المتقدمة ويخوضان معها خير الاشتباكات التي عرفتها فلسطين، ففي العلوم العسكرية أن تتمركز للعدو قبل وصوله يعني انتصارك في الساعة الأولى للمواجهة على الأقل
اشتبك الاثنان حيث أذاقوهم الويلات في تلك الساعة لتضطر الحلقة الثانية من القوات للتقدم بهدف حماية وإنقاذ الحلقة الأولى لتكون المفاجئة من شاب اسمه محمد حرزالله أبو حمدي يخرج من الزقاق ويشتبك مع الحلقة الثانية لأكثر من نصف ساعة ويعيق تقدمها
محمد حرزالله الذي طلب منه مسعودٌ ما التراجع وأن يكف عن الجنون ليرد بلهجة نابلسية بحته ” شو أرجع ما أرجع في شباب عم تتقتل”
تلك ليلة من ليالي لا تُنسى ولن ينساها العدو فأبي صالح الحج يونس والعبد وحسن وعاصي الحموي وعايد كلهم جاءوا من الأسطورة وعادوا تلك الليلة إلى أرض القتال في البلدة القديمة
فالعبد الذي لبى نداء الجهاد تاركاً عروسه خضرة بعد أيام قليلة من حفل الزفاف هو نفسه عبود صبح الذي خاض الاشتباك تاركاً خلفه حياته وخطيبته وحفل زفافه الذي كان موعده بعد أسابيع قليلة
في تلك الليلة حضرت كل الأساطير إلى أرض القتال فمن يصدق ان هذا الاشتباك الذي استمر لساعات خاضه فقط ثلاثة شبان
أتتذكر يا مسعود حين توجه أبو صالح بالسؤال لعاصي الحموي عن عدد الطلقات التي بقيت معه ليقول له “عشرين طلق”
فيرد أبو صالح “إذاً الثورة مستمرة”
فهل تفهم الان كيف انتقلت العشرين طلق من يده إلى يد أبي صالح العزيزي ؛
كيف تنتقل هذه الطلقات من جيل إلى أخر
فهذه يا مسعود هي سمة الجنون الفلسطيني، الجنون الذي أبقانا إلى هذا اليوم
فحسب اعتراف العدو في تلك الليلة وجدت بنادق أبو صالح العزيزي وعبود صبح فارغة من الرصاص
أي أنهم قاتلوا حتى آخر طلق في العشرين طلق
قد تسألني الآن كم عدد المقاتلين في عرين الأسود وكم عدد المقاتلين في كتيبة جنين
سأقول لك لا يهم ربما هم قلة لكنهم كثرة
ألم يقل أبو صالح يوماً لعاصي الحموي لم يبقَ سوى أنا وأنت في الثورة فأجابه عاصي الحموي ” أنا وأنت كثار يا أبو صالح”
فكم عدد المقاتلين اليوم ؟ لا يهم
قُل يا مسعود أنهم قلة لا يهم قُل ذلك
فالقلة في طريق الحق كثرة
فأمعن النظر يا مسعود لترى كيف عادت الأسطورة إلى الأرض لتمشي على قدمين وتحمل بندقية
أمعن النظر في وجوه كل من عبود صبح وأبو صالح العزيزي ومحمد حرزالله لتفهم كيف يولد الفلسطيني من جديد حاملاً بندقيته، أن هذا الشعب حي وحي اكثر من أي وقت مضى
وليس أبو صالح وحده من عاد، فالطبيب أكرم السويدي عاد أيضاً في جنين
عاد مقاتلاً على هيئة الطبيب عبدالله أبو التين لتبقى أسطورة الطبيب الفلسطيني المقاتل حية من أكرم السويدي إلى الطبيب أنور الشقيري وجورج حبش ووديع حداد
حاول المساعيد يا مسعود أن يقولوا أن الطبيب عبدالله استشهد وهو يقوم بواجبه الطبي أثناء إسعاف أحد المصابين
ومن ثم حاولوا أن يدفنوا الأسطورة كما حاولوا أن يدفنوا أسطورة أكرم السويدي سابقاً
لكن الأسطورة لا تُدفن أن عادت فكيف تستطيع أن تُخفي حقيقة رجل كان يقاتل وهو يحمل قطعتين من السلاح ؟
لا الحقائق تُخفى ولا الأسطورة تُدفن وهذا أكرم السويدي يقاتل في جنين مرة أخرى
انتهى الأمر الأسطورة عادت وضخت بها الدماء وعادت للقتال من جديد
أكتب لك يا مسعود لأنني أعلم في النهاية أنك تميل إلى صف أبي صالح – مع أنك تدعي واقعية غير موجودة وأعلم جيداً أنك منا ولست علينا ولكن هل تعلم أن أبا عزمي العلي عاد أيضاً ؟
وأعلم أنك تحب أبو صالح أكثر من نفسك وأنك تمقت أبو عزمي الذي جلد أبو صالح يوماً
واليوم عاد أبو عزمي من جديد ولم يعد وحسب بل صار يملك مركز جلد في أريحا، وفي نفس الوقت لديه حساب على تويتر يصرح به بما يشاء ولكن لا تقلق فلا أحد يعيره انتباهه
كل شيء خرج وعاد من عدسة الراحل حاتم علي ومن بين سطور وليد سيف حتى أنت يا مسعود عدت وصار هناك الكثير من المساعيد الواقعيين بشكل لا يليق بفلسطيني
فمنذ متى كان الفلسطيني واقعياً يا مسعود ؟
افهم يا مسعود الفلسطيني سمته الجنون “وثورته جاءت لتحقيق المستحيل لا الممكن”
رحل أبو صالح الحاج يونس ولحقه أبو صالح العزيزي ولكن وُلد أبو صالح جديد وما زال يولد
تذكر جيداً هذه الاستمرارية التي بها سوف ننتصر، فنحن هكذا نوَدع بعضنا البعض ونموت ونعود إلى هذه الدنيا مقاتلين من جديد لأن الروح المقاتلة تبقى وترفضُ الدفن
في النهاية سأقول لك يا مسعود ما قاله الدكتور علي في وداع أبي صالح عن هذا النوع من الرجال
” اولئك الرجال الذين قسموا جسومهم في جسوم الناس وخلفوا آثاراً عميقة تدل على غيرهم لكنها لا تدل عليهم”
والآن لك الخيار يا مسعود
فالمختار هناك على دوار المنارة يطلق البلالين
وأبو عايد ينظم مظاهرة في سخنين
وأبو عزمي العلي ومن معه مجتمعين
وأبو صالح ما زال على الخط النار في كل الأزمان والميادين
والآن قد حان الوقت لتحسم مع من ستكون يا مسعود ؟
انس عاكف الحمدالله
ناشط سياسي وشبابي، ومختص في التشريع وابداء الرأي القانوني والتحليل السياسي للتشريعات عمل في عدة مجالات منها المحاماة والقضايا النسوية وتأسيس المؤسسات والجمعيات.
أسير محرر وعضو منتخب في مجلس اتحاد طلبة جامعة النجاح الوطنية سابقاً
رابط قصير:
https://madar.news/?p=274161