الشريط الأخباري

لم يعد تقليد الصقور للهديل ينفع ، و لا اعتذارات الحمام \ بقلم : حمدي فراج

مدار نيوز، نشر بـ 2025/12/19 الساعة 11:20 صباحًا

مدار نيوز \

عند بوابة ميلاد مجيد جديد قديم ، يتسلل منسحبا منطويا عام آخر من أعمارنا ، كما يتسلل الماء من بين أصابعنا ، بطيئا حزينا مؤلما مقلقا ، كما لو أنه معدن مصهور او ماء الذرة الثقيل ، تماما كما ابتدأ قبل سنة ، بل قل قبل سنتين ، بل قبل ثمانين ، رحل خلالها الأجداد و الآباء ، و الآن يأتي دورنا ، و في محطات عديدة ، لكم من مرة دفن الآباء أبناءهم و الأجداد أحفادهم ، الجمله التي قالها اسحق رابين في خطابه السلامي بالبيت الأبيض يوم توقيع اتفاقية أوسلو قبل أكثر من ثلاثين سنة .
في العام الذي ينصرم ، دفنا من أطفالنا نحو عشرة آلاف طفل ، و مثلهم في العام الذي سبقه ، لم يكن موت كل هذا الكم من الأطفال موتا طبيعيا او تقليديا ، حتى لو من خلال الحرب بين جيشين متكافئين نديين في العدد و العديد ، لا و لا حتى متفاوتين أو متباعدين ، لقد هاجمهم الموت قنصا وقصفا و انهيار المنازل على رؤوسهم الغضة ثم تجويعا و مرضا ، و الآن من البرد و الصقيع ، لمن نجى ، في طائلة لا توصف من اليتم و الحزن و الحرمان ، في بلاد اعتدنا نحن أصحابها الخروج في صلوات استسقاء لقلة امطارنا ، ثم احتفالات شعبية بمجرد هطولها ، شكرا لله ، تشارك بها النساء والأطفال بالاهازيج و الزغاريد الرجال دبكاتهم الشعبية ، و في السنوات السحيقة ، يشارك ما تيسر من حيواناتهم كالخراف و الماعز و الحمير و الكلاب و العجول و الجمال .
في بيت لحم ، مدينة صاحب الميلاد ، حيث رأى النور من مذود ، فشعّه على البشرية كلها ، شيع الناس ولدين من قرية على تخوم المدينة الشرقي “تقوع” ، أحدهما برصاص الجند ، و الثاني برصاص المستوطنين ، و على التخوم الشرقية للمدينة “حوسان”، لم يستطع الناس تشييع شهيدين آخرين لأنهما قضيا وراء القضبان حيث تحتجز الجثامين أجسادا مجردة ، بلا روح أو حياة في ثلاجات الحضارة و التمدن . كأن المدينة البعيدة عن غزة جغرافيا نحو مئة كيلو متر هوائي ، و البعيدة عن الميلاد تاريخيا أكثر من ألفي سنة ، تدفع حياة أربعة من أبنائها استحقاق صلب الفدائي الفسطيني الأول على الصليب .
يومها ، غداة خطاب عرفات و رابين لدى توقيع اتفاقية اوسلو، رد الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل على رابين من أنه جاء من البلاد التي يدفن فيها الآباء ابناءهم ، لم يكن قد عاش ليرى تجليات حقيقة دفن الآباء لابنائهم في غزة بعشرات الآلاف على يد نتنياهو و زمرته الحاكمة ، يومها ، كتب هيكل : لبست الصقور ثوب الحمام ، و قلدت هديلها ، و بدت الحمائم تعتذر للصقور . لم يتغير شيء منذ ذلك الوقت الا زيادة الصقور و بالتالي القبور ، لكن ، لم يعد ينطلي على العالم تقليد الصقور للهديل ، و لا استمرار اعتذار الحمام لها . فلا التقليد ينفع و لا الاعتذار يشفع .

رابط قصير:
https://madar.news/?p=351149

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.

تعليقات

آخر الأخبار