معبر الكرامة… حيث تُنتهك الكرامة! ياسر أبوبكر

مدار نيوز \
يبدو أن الفلسطيني لا يملك ملاذًا من المعاناة، لا في أرضه، ولا في منفاه، ولا حتى في طريقه إلى بيته. في معبر الملك حسين – أو ما يُسمى مجازًا بـ”معبر الكرامة” – تتجسد المأساة بكل تفاصيلها، وتتراكم الإهانات حتى تبلغ ذروتها، لتعيد إنتاج وجع الاحتلال بأيدٍ يفترض أنها “شقيقة”.
بتاريخ 16 تموز 2025، خاض أحد المواطنين الفلسطينيين وزوجته رحلة العودة من الأردن إلى الضفة الغربية. دخلوا ما يسمى بمنطقة “VIP” حوالي الساعة العاشرة صباحًا، ليجدوا أنفسهم وسط فوضى عارمة، وانتظارٍ امتد لخمس ساعات لإنهاء إجراءات لا تتطلب في الظروف الطبيعية أكثر من نصف ساعة.
لم تكن المسألة مجرد تأخير أو خلل في البرمجة؛ بل كانت صورة واضحة لنهجٍ من الاستهتار، المحسوبية، الرشوة، والصراخ على الناس، في مكان يُفترض أن يكون مخصصًا لتقديم “خدمة مريحة”.
فأين الخدمة؟ وأين الاحترام؟ وأين الكرامة؟
في العادة يُخصص هذا المسار لـ200-300 مسافر يوميًا، أما في ذروة الصيف فقد تجاوز العدد 2000، والنتيجة أرباح هائلة لشركة “جيت” تصل يوميًا إلى أكثر من 180 ألف دينار أردني – كل ذلك على حساب المسافرين، كبارًا وصغارًا، مرضى ونساء، في جوّ من الذل والمهانة.
لقد فُرض على الناس حجز مسبق عبر منصة إلكترونية تعمل ببطاقات “فيزا”، في مجتمع يعاني من الحصار والفقر وتدني الخدمات البنكية. بينما كان من الأجدى، بل من البديهي، أن تُطلق المنصة قبل أشهر من الموسم، لا في ذروة الصيف، حيث الامتحانات والإجازات والمناسبات الاجتماعية.
والسؤال هنا: من المستفيد من هذا التخبط؟ ومن قرر أن يكون الحجز مقصورًا على من يملكون أدوات إلكترونية غير متاحة لكثير من الناس؟ ولماذا لا توجد بدائل إنسانية، مثل مكاتب حجز في الجسر أو مناطق العبور؟
اذا الإذلال ليس صدفة ، لأنه حين تُلغى منافذ بيع التذاكر داخل المعبر، ويتم تحويل الجميع إلى مسار “VIP” برسوم باهظة، وتُغلق البوابات أمام من لا يملك حجزًا إلكترونيًا، ويُعاد عشرات المسافرين لقضاء ليلة جديدة في فنادق عمّان – فالمسألة لم تعد خللًا إداريًا، بل إدارة متعمدة لجني الأرباح على حساب البشر.
ان الغياب الكامل للحكومة الفلسطينية عن ملف الجسور يمثل خذلانًا صريحًا. المواطن الفلسطيني لا يطلب معجزة، بل يسأل عن أبسط حقوقه: عبور كريم لوطنه.
أين وزارة الخارجية؟ أين هيئة الشؤون المدنية؟ أين وزارة الداخلية ؟ أين وحدة المعابر؟ وأين صوت الفصائل الوطنية والمجتمع المدني؟
يقول المثل السياسي المعروف: “اتبع النقود – Follow the money”، وستعرف من المستفيد.
نعم، ما يجري على معبر الكرامة ليس لغزًا. إنها منظومة مصالح تتاجر بآلام الناس، في ظل صمت مريب، وتواطؤ معلن أو غير معلن.
أما رسالتنا إلى من يهمه الأمر نقول :
كفى.
كفى إذلالًا للفلسطيني على بوابة وطنه.
كفى صمتًا رسميًا على تجارة تُمارس باسم التسهيلات.
كفى تحميل الناس كلفة أخطاء الإدارة والاحتكار والربح السريع.
إن معاناة الفلسطيني لا تنتهي عند جدار الفصل أو حاجز عسكري، بل تمتد إلى البوابة التي كان ينبغي أن تكون عبورًا للكرامة… فإذا بها محطة لإهانة متجددة، وإذلال بمقابل مالي.
ملاحظة :
بني هذا المقال بناءً على شهادة حقيقية، وعلى لسان أحد المسافرين الذين وثّقوا التجربة بتاريخ 16/07/2025، ويمكن التحقق من التفاصيل الواردة فيه من شهود ومرافقين .
رابط قصير:
https://madar.news/?p=341809