الحضور هنا مرده شغف متزايد لدى أجيال ناشئة تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والعشرين يسعون لقراءة نجيب محفوظ ومعرفة أكثر عمقا وشمولا عنه، وبين الأجيال الأكبر تبدو إعادة اكتشاف محفوظ وإعادة قراءته مشروعا جاذبا ومغريا بالتنفيذ مع كل كتاب له يطالعونه أو يقرؤونه مجددا فيكتشفون أنه كاتب ‘عابر للأجيال’ متجدد القيمة والمتعة معًا.
في ذكرى رحيله العاشرة، يبدو نجيب محفوظ حاضرا بقوة.. ملء السمع والبصر، حيث تُعاد طباعة أعماله مرارا، يُسأل عن رواياته ومجموعاته القصصية في المكتبات، تُستلهم أعمال درامية وسينمائية من كتاباته الزاخرة.
قبل شهر أو يزيد قليلا، طبعت دار الشروق المصرية ما يقرب من ثلاث طبعات متتالية من روايته «أفراح القبة» التي نشرها في العام 1981، وبعد خمسة وثلاثين عاما، أعاد المسلسل الدرامي المأخوذ عنها الاهتمام بالرواية، وتنامى بمعدلات غير مسبوقة الإقبال على شراء الرواية وقراءتها، كذلك تعالت النداءات باستمرار استلهام أعمال محفوظ في الإنتاج الدرامي بعد النجاح الكبير الذي لقيه المسلسل مما حدا بصناع مسلسل (أفراح القبة) إلى التفكير جديا في أن يكون عملهم القادم عن قصة لنجيب محفوظ.
مصادر مقربة من الشروق للإنتاج الفني، أكدت أنها فعليا بصدد الإعداد للمسلسل الجديد الذي سيعرض في رمضان القادم عن أحد أعمال محفوظ، وكشفت أن هناك خمس روايات يتم قراءتها بعناية لاختيار واحدة منها، أبرزها حتى الآن «المرايا»، و«ليالي ألف ليلة». على أن يتم إسناد كتابة السيناريو والحوار والمعالجة الدرامية لواحد من الكتاب الشباب (لم يشأ المصدر الإفصاح عن اسمه الآن).
من جهتها، شرعت دار الشروق (صاحبة حقوق الملكية الفكرية لكل إنتاج محفوظ) في الاحتفال بذكراه على طريقتها، وقامت بتوفير طبعات جديدة من معظم أعمال نجيب محفوظ في كل مكتباتها، ووفرت أيضًا طبعات جديدة من أعماله الكبرى التي يكثر الطلب عليها طول الوقت («أولاد حارتنا»، «الحرافيش»، «الثلاثية/ بين القصرين – قصر الشوق – السكرية»، «اللص والكلاب»، «ثرثرة فوق النيل».. إلخ). وزادت الشروق بتنظيم مسابقة يومية تدور حول سيرة نجيب محفوظ وأشهر شخصياته الروائية طيلة شهر أغسطس/آب، لتعريف القراء الجدد من الناشئة والشباب بأديب نوبل وأعماله.
لكن هذا ليس كل ما سيتم الاحتفال به في ذكرى نجيب محفوظ، فمصادر داخل الشروق أكدت للأناضول أن الدار تعد لاحتفالية ضخمة عقب عيد الأضحى، سيُدعى إليها كبار الكتاب والنقاد والفنانين والسينمائيين وتعقد جلسات حوارية حول أدب وسينما نجيب محفوظ يتخللها عرض مادة فيلمية نادرة عن حياة وسيرة أديب نوبل، وقراءة مقتطفات من أعماله أو من أهم وأبرز ما كُتب عنه، على أن يستمر احتفال ‘الشروق’ به حتي حلول ذكرى ميلاده في 11 ديسمبر/كانون أول المقبل.
ومن المنتظر، وفق مصادر الشروق، أن يشارك في هذه الاحتفالية كل من: الكاتبة أهداف سويف، الروائي إبراهيم عبد المجيد، الناقد والأكاديمي حسين حمودة، الناقد والأكاديمي شاكر عبد الحميد، الناقد السينمائي محمود عبد الشكور، والناقد كمال رمزي، والناقد علي أبو شادي، والروائي السوداني حمور زيادة، والكاتب والناقد إيهاب الملاح.. وآخرون.
وعن المكان الذي ستقام فيه الاحتفالية، قال رئيس مجلس إدارة مجموعة ‘الشروق’، إبراهيم المعلم، في تصريحات للصحفيين، إنه سيكون بين خيارين؛ الأول دار الأوبرا المصرية، وسط القاهرة، بمسرحها المكشوف (لدواعي استيعاب أكبر عدد من الضيوف والمدعوين)، والثاني بأحد الأماكن الأثرية بمنطقة القاهرة الفاطمية (شارع المعز لدين الله الفاطمي/جنوب شرقي العاصمة) وهي الفضاء الجغرافي الذي عاش فيه نجيب محفوظ وعشقه واتخذ منه خلفية مكانية للعديد من رواياته وأعماله القصصية.
كما ومن المنتظر أن تقوم دار الشروق بتيسير طبعات جديدة من أهم الكتب والدراسات التي أفردت عن نجيب محفوظ من قبل مصريين، مثل كتاب الراحل جمال الغيطاني «المجالس المحفوظية»، وكتابي الراحل رجاء النقاش «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» و«في حب نجيب محفوظ»، بالإضافة إلى «معجم شخصيات نجيب محفوظ» في أربعة أجزاء لمصطفى بيومي.
على المستوى الرسمي، لا ينتظر أكثر من عقد احتفالية لمدة يوم أو اثنين بالمجلس الأعلى للثقافة (حكومي)، يدعى إليها بعض الأسماء من الكتاب والنقاد للحديث عن جانب أو أكثر من جوانب نجيب محفوظ! مصادر داخل المجلس أكدت أن اتصالات تجرى ببعض الكتاب والنقاد حاليا لدعوتهم للمشاركة في الندوة المقامة بعد أن اعتذر عن المشاركة أكثر من شخص تمت دعوته.
من المفارقات اللافتة في السياق، أن الهيئة المصرية العامة للكتاب قد قامت بإلغاء سلسلة ‘نجيب محفوظ’ التي كانت تصدر عنها وتعنى بنشر أهم الكتب والدراسات التي تعالج جانبا أو اكثر من إبداعات محفوظ. السلسلة التي كان يرأس تحريرها الكاتب يوسف القعيد صدر منها قرابة العشرين كتابا أو يزيد قليلا، بعضها كان إعادة طبع لعناوين سابقة صدرت قبل ذلك في سنوات الثمانينيات والتسعينيات؛ مثل كتاب جمال الغيطاني «نجيب محفوظ يتذكر»، لكن أبرزها كان الكتاب الأول الذي صدر بتوقيع حمدي السكوت «نجيب محفوظ ـ ببليوجرافيا تجريبية ومدخل نقدي»، وهو من الكتب التي تيسر لأي باحث أو دارس مهتم بأدب نجيب محفوظ الوصول إلى المادة النقدية أو المقال الذي كتب عن أي من رواياته وقصصه القصيرة.