الشريط الأخباري

عشية اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات: التعليم الفلسطيني تحت وطأة الإبادة بقلم: فادي قدري أبوبكر

مدار نيوز، نشر بـ 2025/09/18 الساعة 4:42 مساءً

نابلس \ مدا رنيوز \

مع حلول اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات في التاسع من أيلول/ سبتمبر 2025، تطلّ علينا أرقام كارثية تكشف حجم المأساة التي يتعرّض لها قطاع التعليم الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووفقاً لبيانات الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي والائتلاف التربوي الفلسطيني، فإن ما يجري منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يرقى إلى جريمة ممنهجة تستهدف جيل المستقبل ومقومات صموده.
تشير الإحصاءات إلى أن الاحتلال الإسرائيلي حوّل المؤسسات التعليمية الفلسطينية إلى ساحات حرب مفتوحة. ففي الضفة الغربية استُشهد 143 فلسطينياً وأصيب 970 آخرون، بينما بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة 18,346 شهيداً، من بينهم نحو 4,000 طالب من طلبة الثانوية العامة، في حين ارتفع عدد الطلبة الشهداء منذ بداية العدوان إلى 18,489 طالباً. كما تم اغتيال 220 أكاديمياً ومحاضراً، وإصابة 1,420 آخرين بجروح متفاوتة، واستشهاد 1,205 طالب جامعي، فيما يواجه نحو 88,000 طالب جامعي في غزة انقطاعاً كاملاً عن التعليم للسنة الثالثة على التوالي.
ويبلغ عدد طلبة قطاع غزة نحو 600,000 طالب وطالبة، موزعين على أكثر من 400 مدرسة حكومية، وحوالي 280 مدرسة تابعة للأونروا، ونحو 50 مدرسة خاصة، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي طالت البنية التعليمية بأكملها.
تؤكد هذه الأرقام على الاستهداف الإسرائيلي المباشر للحق في التعليم ولرأس المال البشري الفلسطيني، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية التي تحظر استهداف المدنيين والمؤسسات التعليمية، الأمر الذي يرقى إلى جريمة حرب تستوجب المساءلة الدولية.
يشهد قطاع غزة والضفة الغربية سياسة ممنهجة تستهدف العملية التعليمية والبنية الأكاديمية والثقافية الفلسطينية. ففي قطاع غزة طال القصف العشوائي والمخطط على حدٍ سواء المدارس والجامعات، حيث تم تدمير وتخريب 83 مدرسة تابعة للأونروا و118 مدرسة حكومية، ودُمّرت بالكامل 160 مدرسة حكومية و63 مبنى وجامعة، كما تعرضت المكتبات والمراكز الثقافية والمتاحف الأثرية للنهب والتخريب، في محاولة واضحة لشل العملية التعليمية وإفراغ القطاع من مقومات الاستمرار الأكاديمي والثقافي.
وفي الضفة الغربية، يُستخدم الاعتقال كأداة لتفريغ الجامعات من كوادرها وقياداتها الطلابية، إذ يشكل الجامعيون نصف عدد المعتقلين هناك، ويقبع نحو 800 طالب وطالبة في سجون الاحتلال إلى جانب 20 أكاديمياً رهن الاعتقال الإداري دون محاكمة. وتعد جامعة بيرزيت نموذجاً صارخاً لذلك، حيث تضم وحدها 150 طالباً معتقلاً بينهم قيادات طلابية وأساتذة، كما طالت الاعتقالات نحو 200 معلم وإداري في مدارس الضفة الغربية. وتشكل هذه الممارسات انتهاكاً صارخاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل الحق في الحرية والمحاكمة العادلة، وخرقاً للاتفاقيات الدولية التي تحمي التعليم أثناء النزاعات المسلحة.
تأتي هذه الجرائم الممنهجة بحق التعليم الفلسطيني في إطار حرب إبادة منظمة تستهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني وفرض التهجير القسري عليه، وذلك بدعم أمريكي وتواطؤ المجتمع الدولي. حيث يلجأ الاحتلال إلى القتل والتدمير والحصار بهدف تفريغ غزة من سكانها، وفي الوقت نفسه يعمل على تسليح مئات الآلاف من المستوطنين في الضفة الغربية لفرض واقع استيطاني جديد يمنحهم حرية الاعتداء على الفلسطينيين وقتلهم.
تبرز في هذا السياق منظمة “ريغافيم” الاستعمارية المتطرفة كأداة رئيسية في تنفيذ هذه السياسة، إذ دعت مراراً إلى هدم المنشآت الفلسطينية، لا سيما المدارس، بهدف عرقلة تطوير البنية التحتية الفلسطينية ودفع السكان إلى الرحيل. تأسست المنظمة عام 2006 على يد شخصيات يمينية متطرفة، أبرزها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وتستخدم تقنيات متقدمة مثل نظم المعلومات الجغرافية والتصوير الجوي لرصد المباني الفلسطينية، وبالأخص المنشآت التعليمية، مما يسهل تنفيذ مذكرات الهدم في مناطق مثل النقب ومنطقة “ج” بالضفة الغربية، في إطار مخطط شامل يستهدف تفكيك المنظومة التعليمية الفلسطينية بالكامل.
ورغم هذه السياسات العدوانية، يظل الشعب الفلسطيني متمسكاً بثوابته الوطنية وحقه في العودة وإقامة دولته المستقلة، مؤكداً أن هذه الإجراءات لن تنجح في كسر إرادته أو القضاء على صموده ومقاومته. حيث تكمن قوة الشعب الفلسطيني في صموده الموحد وعمله المتواصل على حماية هويته الوطنية وحقوقه غير القابلة للتصرف، ويصبح الضغط الدولي فاعلاً ومؤثراً حين يُستثمر بذكاء في الداخل الفلسطيني وفي ساحات القانون والدبلوماسية والإعلام.
وأمام حجم الجرائم المرتكبة بحق التعليم، تبرز الحاجة إلى تحرك دولي عاجل لوقف العدوان وضمان حماية المدارس والجامعات بوصفها مناطق محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، وتوثيق الانتهاكات ورفعها إلى المحاكم الدولية لمحاسبة المسؤولين عن استهداف التعليم، إضافة إلى الإسراع في إعادة إعمار البنية التحتية التعليمية وتوفير بيئة آمنة للطلبة والأكاديميين، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين، وحماية الحريات الأكاديمية والضغط للإفراج عن المعتقلين من الطلبة والأساتذة.
كما يتوجب عزل المنظمات الاستيطانية المتطرفة مثل “ريغافيم” عبر فضح ممارساتها والتحرك الدبلوماسي والقانوني ضدها. إذ أن استهداف التعليم لا يمثل خسارة آنية فحسب، بل يشكل تهديداً استراتيجياً لمستقبل فلسطين وللسلم والأمن الدوليين، ما يجعل حماية التعليم واجباً قانونياً وأخلاقياً على المجتمع الدولي، ويضع على عاتق الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وعلى رأسها اليونسكو مسؤولية التحرك الفوري واتّخاذ الإجراءات العملية لوقف هذه الجرائم وإعادة الاعتبار للحق في التعليم كحق أساسي لا يقبل المساومة أو التهاون.

مستشار الأمين العام/ رئيس اللجنة

رابط قصير:
https://madar.news/?p=345908

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.

تعليقات

آخر الأخبار