الشريط الأخباري

المناهج الفلسطينية… وعي سيادي ورؤية تربوية لمستقبل التحرر …ياسر ابو بكر

مدار نيوز، نشر بـ 2025/10/11 الساعة 12:47 مساءً

نابلس \ مدار نيوز \

يُعدّ المقال الذي كتبه الأستاذ ثروت زيد الكيلاني بعنوان «المناهج… سيادة وهوية تحترم المعايير العالمية» نموذجًا رصينًا للتحليل التربوي الذي يجمع بين العمق الفكري والوعي السياسي والمرجعية الأكاديمية. فقد قدّم الكاتب معالجة شاملة لموقع المنهاج الفلسطيني في معادلة السيادة الوطنية والهوية الثقافية، مؤكدًا أن المنهاج ليس وثيقة تعليمية فحسب، بل أداة وجودية تشكّل أحد أعمدة الوعي الجمعي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ومشاريع الهيمنة الثقافية.

ينطلق المقال من فرضية محورية مفادها أن التعليم الفلسطيني يشكّل فضاءً للسيادة المعرفية وحقًا أصيلًا من حقوق تقرير المصير الثقافي، وهو ما تؤكده المواثيق الدولية، وفي مقدمتها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966). ويُبرز الكيلاني هذا البعد القانوني بوصفه أساسًا للرفض المشروع لأي تدخل خارجي يسعى لإعادة هندسة الوعي الوطني تحت ذرائع التمويل أو “إصلاح” المناهج. فالمقال يقدم دفاعًا علميًا رصينًا عن استقلال القرار التربوي الفلسطيني في إطارٍ يحترم المعايير العالمية دون الارتهان لها.

وتكمن أهمية المقال في قدرته على الموازنة بين الهوية والانفتاح؛ إذ يطرح رؤية نقدية تؤكد أن المناهج الفلسطينية ليست نقيضًا لمبادئ اليونسكو أو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، بل تجسيد وطني لها في سياق خاص، يجعل من التعليم ممارسة للحرية وبناء للوعي النقدي، لا مجرد نقلٍ للمعرفة أو تكرارٍ للنماذج الغربية. فالمقال يعيد الاعتبار إلى التربية بوصفها فعلًا تحرريًا وإنسانيًا، وإلى المدرسة كبيئة لإنتاج الفكر لا لتلقين المعلومات.

ورغم القوة الفكرية والتحليلية التي ميّزت المقال، فإن الرؤية التي طرحها الكيلاني تكتسب أبعادًا أكثر تكاملًا حين تُترجم إلى إجراءات ميدانية تربوية تسهم في تفعيل فلسفة السيادة التربوية داخل المدرسة الفلسطينية. ومن أبرز التوصيات التطبيقية التي يمكن البناء عليها:

1. دمج القيم الوطنية في الممارسات الصفّية اليومية من خلال توظيف النصوص الأدبية والتاريخية والثقافية التي تُعزز الانتماء والكرامة دون اللجوء إلى الوعظ المباشر.

2. تأهيل المعلمين تربويًا وفكريًا ليكونوا شركاء في إنتاج المعرفة، عبر برامج تطوير مهني تعزّز مهارات التفكير النقدي والتعلم التحويلي.

3. إطلاق مبادرات مجتمعية تربوية تجعل من المدرسة مركزًا للتفاعل المدني، ومختبرًا للوعي البيئي والاجتماعي، بما يربط التعليم بالحياة والواقع المحلي.

إن تحويل فلسفة المنهاج من وثيقة مكتوبة إلى ممارسة حية هو التحدي الحقيقي أمام النظام التربوي الفلسطيني. فالمعلم والطالب هما الفاعلان المركزيان في ترجمة السيادة التربوية إلى سلوك يومي يعبّر عن الوعي بالهوية والحقوق، ويجعل من المدرسة فضاءً للكرامة لا للامتثال.

وفي الرؤية الاستشرافية التي يمكن أن تُبنى على مقالة الكيلاني، يبدو التعليم الفلسطيني مؤهّلًا لأن يتحول إلى مشروع تحرر معرفي متكامل، يوازن بين الأصالة والانفتاح، وبين الخصوصية الوطنية والمواطنة العالمية. إن بناء هذا المشروع يتطلب تطوير سياسات تربوية مستندة إلى البحث العلمي والمراجعة الدورية للمناهج، وتعزيز الشراكة بين الوزارة والجامعات والمجتمع المحلي.

إن مقال الكيلاني يمثل إسهامًا نوعيًا في تأصيل فلسفة تربوية وطنية معاصرة، تُعيد تعريف التعليم بوصفه فعل سيادة وكرامة، وتؤكد أن الحفاظ على هوية المنهاج هو شرط لبقاء الوعي الفلسطيني حرًّا، نقديًا، ومنفتحًا على العالم. وبذلك، لا يصبح التعليم في فلسطين وسيلة للنجاة فحسب، بل مسارًا استراتيجيًا لبناء إنسانٍ قادرٍ على المشاركة في صياغة مستقبلٍ وطني قائم على العدالة والمعرفة والتحرر.

تفتح الرؤية التي قدّمها الكيلاني آفاقًا متعددة للبحث العلمي في مجال التربية الفلسطينية، من أبرزها:

1. دراسة أثر المناهج الفلسطينية في تشكيل الوعي الوطني لدى الطلبة في المراحل المختلفة، من خلال مقاربات نوعية وميدانية.

2. تحليل دور المعلمين في تفعيل فلسفة السيادة التربوية داخل الغرف الصفية، واستكشاف مدى انسجام ممارساتهم مع القيم الوطنية والمواطنة العالمية.

3. تقييم درجة التوافق بين المناهج الفلسطينية ومبادئ التربية من أجل التنمية المستدامة وفق مؤشرات اليونسكو.

4. إجراء مقارنات دولية بين المناهج الفلسطينية ومناهج دولٍ أخرى خاضعة لاحتلال أو ضغوط سياسية مشابهة، لفهم ديناميات التعليم في البيئات القسرية.

5. بحث العلاقة بين التربية النقدية والتحرر الثقافي في السياق الفلسطيني، واستقصاء أثر التعليم في تمكين المتعلمين من مقاومة الاستلاب المعرفي والثقافي.

رابط قصير:
https://madar.news/?p=347372

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.

تعليقات

آخر الأخبار