الشريط الأخباري

في اربعينية مالكة أبو عكر … لم تمتشق يوما سلاحا و لا حتى قلما ، ولكن كل ما لامسته يدها تحول الى سلاح  بقلم : حمدي فراج

مدار نيوز، نشر بـ 2025/12/09 الساعة 7:35 مساءً

مدار نيوز \
قد يستغرب البعض ، و قد يستنكر ، و ربما يكفّر ، أن أقوم بتأبين امرأة بمناسبة مرور أربعين يوما على رحيلها ، هي الرفيقة الكبيرة “مالكة أبو عكر” أم الشهيد الفتى “محمد العجيب” الذي روى بدمائه ارض انتفاضة الحجارة قبل نحو أربعين سنة ، كان عمرها أنذاك يناهز الأربعين ، امرأة عادية ، ربة بيت ، ولدت قبيل النكبة بسنتين او ثلاثة ، لم تكن لها أي امتيازات او اهتمامات ، سوى ما عرفناه و عهدناه عن امهاتنا بشكل عام ، الاهتمام بتربيتنا تربية لائقة و تعليمنا بما يمنحنا مستقبلا وظيفة محترمة ، لكن قبل هذا و ذاك ، إطعامنا و كساءنا بما ينقذنا من طائلة الجوع و اغلاق طرق الانحراف امامنا كالسرقة او التسول .

باستشهاد ابنها الرابع الأصغر “محمد” برصاصة دمدم فجرت أمعاءه ، تفجرت حياة “مالكة” ، كما لو كانت في قمقم صاهر للحديد و الفولاذ ، تحارب على كل الجبهات ، تذهب الى كل الاعتصامات و المظاهرات و الاحتجاجات و الجنازات و المآتم و الاعتقالات و الافراجات و الزفافات ، بغض النظر ان كانت تعرف أصحاب هذه المناسبات ام لا ، يكفي فقط ان يكون هؤلاء مناضلين ، لا يهم ابدا ابدا الفصيل الذي ينتمون اليه ، و من هنا جاء احترام الجميع لجهودها .

انتقلت حالة ثورتها في استشهاد فلذة كبدها الى كل افراد عائلتها ، فاعتقلوا و دوهموا و ضربوا و أهينوا عشرات المرات ، حتى ان قوات الاحتلال قبل نحو ثلاثة أشهر ، حولوا منزلها الى مقر للتحقيق ، يقتادون اليه جميع من يتم اعتقالهم .

لم تمتشق “مالكة” يوما سلاحا و لا حتى قلما ، ولكن كل ما لامسته يدها ، تحول الى سلاح .

ثوبها الفلسطيني التقليدي الذي طرزته بيدها ، هو الذي لفت نظر الرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز ، في مؤتمر المناخ بالبرازيل قبل نحو خمس عشرة سنة ، من بين آلاف نساء العالم ، فدعاها اليه على المنصة ، فعانقها كما لو انه يعانق فلسطين ، و عانقته ، كما لو أنها تعانق “محمد” ، لم تتردد ، لم تقل له ما يقوله بعض حكامنا و قادتنا و شيوخنا : أنا لا اصافح الذكور ، و عندما تحرر الشيخ خضر عدنان في اول معاركه بالاضراب المفتوح عن الطعام ، كانت من بين مستقبليه من أمهات الشهداء و الاسرى ، وضع يده على صدره في إشارة أنه لا يصافح ، قلت له يومها انهن في انتظارك منذ ساعات ، فقط يردن مصافحتك كما لو انك ابنا لهن ، فما كان منها الا ان عانقته ، وعانقها . في يوم رحيل شافيز ، دعونا لفتح خيمة عزاء ، فما كان منها الا انها فاجأتنا بإحضار كمية وافرة من “الزلابيا” (نوع من الخبز الفطير ، يقلى في زيت الزيتون ، و يقدم عن روح الفقيد) و طلبت من كل من يتناول زلابيتها ان يقرأ الفاتحة على روحه الطاهرة . أحببناك ايتها الرفيقة المعطاءة ، و لكن حبك لنا كان حبا أعظم و أشمل و أجمل ، لأنه حب الواعدين و الموعودين بأن الطريق و إن طالت لن تضل السائرين .

رابط قصير:
https://madar.news/?p=350673

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.

تعليقات

آخر الأخبار

4 أفلام عربية مرشحة لجائزة الأوسكار

الأربعاء 2025/12/17 4:11 مساءً