بالفيديو.. القصة الكاملة ليوسف السوداني ووفاته برام الله
“نتائج تشريح جثة يوسف، لا تدل على وجود شبهة جنائية” هذا ما أكده رئيس النيابة العامة علاء التميمي؛ فقد توفي يوسف السوداني بسكتة قلبية، بعد تصخم عضلة قلبه. ومن منا لا يعرف من يلقب بـ ” تيربو رام الله”.
لماذا تركتم يوسف لوحده؟
انقطع الصوت الذي كان يتردد بشكل دائم بين أزقة المدينة، عبارة “يا تيربو رام الله، يلا شد”. لقب فرضه المجتمع الفلسطيني على الشاب يوسف بدر البالغ من العمر 38 عاماً، حتى لحظة وفاته، فموته قد حفظته العيون ورصدته عدسه الكاميرا المعلقة على إحدى المحلات التجارية في مدينة رام الله، وما زال أثر الدم الذي سال من رأس يوسف ملتصقا على جانب الطريق، ويبدو أن يوسف لم يكمل شرب فنجان قهوته المفضل، والذي يحصل عليه عادة من صانع القهوة المعروف ” أبو مهند” بالقرب من دوار المنارة.
رحل يوسف قبل أن يطفئ سيجارته المفضلة من نوع (LM)، حيث كان يتنقل من محل تجاري لآخر ليحصل على تحية الصباح، وفنجان قهوة، وسيجارة.
العدسة ترصد سقوط يوسف
عدسات المحل التجاري رصدت حالة صراع البقاء التي عاشها يوسف أثناء موته، إذ كان يحاول يوسف الصمود أمام حالته “الهستيرية”، ولكنه كان يسقط كل مرة، ويعاود المحاولة، وفي نهاية المطاف… سقط يوسف على الأرض.
أما الناس فينظرون من حوله دون حراك، ظناً منهم أنه مقلب في إحدى الكاميرات الخفية، أو أنه يمازحهم كما كان يفعل دائما، ويوهمهم بتوقفه عن التنفس، ولكن هذه المرة سقط هذه المرة بسكتة قلبية.
“ضحية ظروف أسرية”
من منا لا يعرف يوسف ابن قرية دير السودان، الواقعة في الضفة الغربية، والذي كان ضحية ظروف أسرية في الدرجة الأولى، قبل أن يكون ضحية تناول حبة المخدرات “تريب” دون علمه، والتي أثرت على أعصابه، وأفقدته القدرة على الحركة.
قال صاحب إحدى المطاعم في مدينة رام الله حسين سلامة، وهو أحد المطاعم التي كان يعمل بها يوسف قبل تأثره وتناوله حبة المخدرات لتي قدمها له أحد العاملين في الأراضي المحتلة عام 1948: “عندما بدأ يوسف العمل لدي كان عمره لا يتجاوز 19 عاماً، وكان كغيره من الشباب بحلم بتكوين عائلة وتجميع الأموال لشراء البيت والسيارة، وبعد أن أغلق المطعم توجه يوسف للعمل في إحدى المطاعم داخل الأراضي المحتلة عام 1948”.
وأضاف: “بعد عودته إلى رام الله، تغيرت حالته الصحية، حيث كان يسير بسرعة مجنونة في الطرقات، ويحرك يده بسرعة البرق، وكانت ضربته قاضية، وعند السؤال عن السبب في حدوث ذلك قالوا لي أنه تناول حبة المخدر دون أن يعلم، ولكن لا أعلم صدق هذه الإشاعة”.
وبالحديث عن عائلته، قال سلامة: “يوسف هو ضحية ظروف أسرية، حيث تزوج والده ووالدته وفق ظروف تقليدية قديمة، ودون أن يتعرف كل منهما على الآخر، وقد دفع يوسف ومنذ طفولته ثمن ذلك”.
كم هم عدد الأطفال الذين دفعوا ثمناً باهظا نتيجة حدوث طلاق بين الزوج والزوجة، وقد تكون أغلب الحالات سببها عدم وجود وعي مجتمعي تجاه أهمية الزواج، ونتائجه، ويوسف هو نتاج حالة ليست نادرة وإنما قد نعتبرها ظاهرة متفشية في المجتمع.
“يوسف بلا عائلة”
قال سلامة: “يوسف لا يملك عائلة، وهو رجل غير متزوج، ولا ينتمي إلا لنفسه، ولم يجد أحدا بقربه، وقد تخلت عائلته عنه منذ طفولته، وتوفي والده قبل 10 سنوات، وأمه تزوجت رجلاً آخر بعد وفاة الوالد، وانتقلت للعيش في منطقة تابعة لمدينة القدس، أما أقارب والدته، فهم لا يملكون المال الكثير لاحتواء يوسف، ولديها أخوان، أحدهما يعمل كحارس لإحدى البنايات ويتقاضى 1500 شيقل، وآخر يعمل في إحدى المطاعم”.
“يوسف يعي ما يقول”
“بعد أن تناول يوسف حبة المخدر، وأصبح يعاني من حالة عصبية شديدة، التي قد يعتبرها البعض خطيرة، أصبح يستسهل الحياة، بل لا يرغب بها، وكنت دائما أحدثه واسأله لماذا تفعل ذلك؟ لماذا لا ترتدي اللباس النظيفة، لماذا لا تستحم؟ وعندما كنت أحدثه في لحظة صفاء وهدوء، كان يهرب من الإجابة ويأخذ فنجان القهوة ويخرج مسرعاً، وكأنه يعي تماماً ماذا أقول”.
وقال أحد أصدقائه، ورفض ذكر اسمه: “يوسف قد استيقظ من تأثير حبة المخدر، ولكنه صدم بعد مدة طويلة من الواقع الذي يعيشه، فقد استيقظ على واقع يرفض تقبله، ولم يشعر برغبة العائلة في احتضانه، لذا لجأ للكحول كحل، وكبديل عن تناول حبة المخدر ” التريب”، وكان يحتسي الكحول وبكميات كبيرة، وهنا كان يفقد وعيه الذي لا يرغب بالاستيقاظ منه، إذا المجتمع هو من فعل ذلك بـ يوسف”.
أين كان يغفو يوسف؟
“يوسف كان ينام في أزقة وأبنية وشوارع مدينة رام الله، في كل مكان كان يتواجد يوسف” هذا ما أكده سكان مدينة رام الله، ممن كانوا يشاهدون تنقلات يوسف، وقبل وفاته بعدة أيام كان يوسف ينام في “خرابة” وسط مدينة رام الله، وخلف مكان لبيع العفش المنزلي، فهناك تفتقر مقومات الحياة، وتزدحم النفايات الملقاة على الأرض.
وقال حسام قبلاوي، وهو صاحب محل لبيع العفش المنزلي: “قبل وفاتة ، كان يأتي يوسف السوداني يومياً للنوم في مكان ضيق، خلف المحل الخاص بي وسط مدينة رام الله، ولكنه اختفى فجأة وأدركت أنه ينام في إحدى البيوت المطلة على شارع مكتبة رام الله، حيث كان يقطن في شرفة المنزل ” بلكونة”.
“الشؤون الاجتماعية والصحة كلتاهما مقصرتان”
أكد الناطق باسم الشرطة المقدم لؤي ازريقات أن الشرطة الفلسطينية حاولت عشرات المرات، إحالة الشاب يوسف السوداني لوزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الصحة، للنظر في حالته الصحية ومحاولة علاجه ولكن، وبعد يومين من إحالته يخرج إلى الشارع وتتفاقم حالته دون رقيب أو حسيب من جانب الجهات المختصة.
ماذا فعلتم ليوسف؟
هذا هو التساؤل الذي تردد على ألسنة المواطنين في مدينة رام الله، ومن كان يفضل دائما الحديث مع يوسف والآن يشيع جثمانه وقد تشتاق له معالم المدينة، فلم يعد هنالك يوسف يا رام الله… فمن كان السبب؟ ولماذا لم يعالج؟ ولماذا ترك هكذا في شوارع المدينة دون أي اهتمام؟ وهل نستذكر الميت بعد مماته، ونترحم عليه فقط، فكم من يوسف سيأتي بعد يوسف؟ وكم هي الحالات التي تشابه حالة يوسف وتبحث عن العلاج والاهتمام؟
الحدث- ريم أبو لبن
رابط قصير:
https://madar.news/?p=11906